رئيس التحرير : مشعل العريفي
 عبدالعزيز آل الشيخ
عبدالعزيز آل الشيخ

الحجون إلى الصفا

تابعوا المرصد على Google News وعلى سناب شات Snapchat

من فضل الله علينا ورحمته بنا أن أنعم علينا في هذا البلد الأمين بنعم وآلاء كثيرة لا تعد ولا تحصى ، وأهمها الأمن والأمان في ظل قيادته الحكيمة وفقها الله ، وأيضاً الرخاء وتأمين ضروريات وكماليات وجميع مستلزمات العيش الكريم الرغيد بتوجيهات ومتابعة حكومتنا الرشيدة وما يوليه خادم الحرمين الشريفين وسمو ولي عهده من إهتمام ورعاية كريمة لمواطني ومقيمي هذا الوطن المعطاء. وقد أطلق أحد الأخوة - حفظه الله على هذه السنة مسمى "سنة النعمة" لما توفر فيها من أمن وأمان ورخاء وطيب عيش وراحة بال .
وهذا الوباء الذي انتشر وعمّ أرجاء العالم وتأثرت وتضررت منه دول عديدة وعلى رأسها ما يُسمى بالدول المتقدمة أو دول العالم الأول التي أصابها من الضرر في الأنفس والموارد النصيب الأكبر . إلا أن بلادنا ولله الحمد وبفضله وتوفيقه وبما اتخذته من اجراءات مبكرة ودعم مادي واقتصادي حافظت على تقليل الأثر السلبي لهذا الوباء علينا إلى مستويات متدنية بشرياً ومعيشياً .
أكثر ما أثر علي في هذه الفترة هو ما ألاحظه عندما ننظر من النوافذ أو الأبواب بإتجاه الشوارع ونرى خلوها من البشر والسيارات والصمت الرهيب الذي يلفها . وكذا الحال عند مشاهدة المناظر الحية للمدن وأهمها مكة المكرمة شرفها الله وبالأخص حوالي المسجد الحرام زاده الله تعظيماً وتقديساً ،،،،
ومع أنه لا وجه للمقارنة على الإطلاق ، فإنه يتبادر إلى ذهني قصة قديمة جداً وقعت أحداثها قبل البعثة النبوية الشريفة بحوالي أربعمائة سنة أو أكثر .
وملخصها أن قبيلة جرهم كان لهم الزعامة والأمر في مكة ويجاورهم مجموعات من ذرية إسماعيل عليه السلام بزعامة نابت بن قيدار بن عدنان وذريته في داخل مكة بينما سكنت قبيلة خزاعة في الأطراف الخارجية والقرى القريبة من مكة. ويبدو أنه مع استفراد جرهم بالزعامة والحكم في المنطقة فقد طغى عليهم التكبر وظلم المجاورين لهم من غير قبيلتهم ، ونازعوا ذرية نابت في الحكم وتولي أمر البيت الحرام مما تسبب في رحيل العدنانيين إلى نواحي بعيدة عن مكة . وفي نفس الوقت جمعت قبيلة خزاعة شتات أمرها وخاصت معارك عديدة مع جرهم . ونتج عن هذه المعارك تشتت الجرهميين وخزاعة في أطراف مكة البعيدة وذلك خوفاً من القتل والسلب والنهب الذي استشرى بين الطرفين . نتج عن ذلك خلو بطن مكة من البشر ومن مظاهر الحياة والتي كانت عامرةً بها من قبل .
أحد سادات وعقلاء قبيلة جرهم - الذي اعتزل النزاع بين القبيلتين وكان يعيب تصرفات وطغيان قبيلته سابقاً - وإسمه الحارث بن مضاض الجرهمي ، عاد بعد فترة إلى مكة ولاحظ سكونها وهدوءها ؛ فاعتلى جبل أبو قبيس ثم جبل قينقاع ورأى خلو بطن مكة من أهلها فأثر ذلك في نفسه عظيم الأثر وقال أبياتاً من الشعر تمثل ما رآه ودار بخلده حول ذلك . ومن هذه الأبيات يقول الحارث بن مُضَاض الأصغر الجرهمي في قصيدة طويلة (ويذكر بعض المؤرخون إنها أول القصائد والشعر المعروف) :-
{ وقائلة والدمع سكب مبادر وقد شرقت بالدمع منها المحاجر 
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا أنيس ولم يسمر بمكة سامر 
فقلت لها والقلب مني كأنما يلجلجه بين الجناحين طائر 
بلى نحن كنا أهلها فأزالنا صروف الليالي والجدود العواثر 
وكنا ولاة البيت من بعد نابت نطوف بذاك البيت والخير ظاهر 
ونحن ولينا البيت من بعد نابت بعز فما يحظى لدينا المكاثر 
ملكنا فعززنا فأعظم بملكنا فليس لحي غيرنا ثم فاخر 
ألم تنكحوا من خير شخص علمته فأبناؤه منا ونحن الأصاهر 
فإن تنثن الدنيا علينا بحالها فإن لها حالا وفيها التشاجر 
فأخرجنا منها المليك بقدره كذلك للناس تجري المقادر 
وبدلت منها أوجهاً لا أحبها  قبائل منها حمير ويحابر 
وصرنا أحاديثاً وكنا بغبطة بذلك عضتنا السنون الغوابر فَبَدَّلَنَا ربي بها دار غربة بها الذئب يعوي والعدو المحاصر فساحت دموع العين تبكي لبلدة بها حرم آمن وفيها المشاعر 
وتبكي لبيت ليس يوذى حمامه  يظل به أمنا وفيه العصافر 
وفيه وحوش لا ترام أنيسة إذا خرجت منه فليست تغادر }
- - - - - - - - - - - - - وندعو الله تعالى أن يجنبنا جميعاً وبلادنا وبلدان العالم وجميع خلقه الشرور والأوبئة والكوارث وأن يحفظنا بحفظه وكريم عنايته وأن يرفع عاجلاً عنا وعن البشرية جمعاء هذا الوباء وأن يلطف بمن تضرر منه ومن آثاره. ونسأله عزّ وجلّ أن نرى عاجلاً غير آجل الطائفين وقد ملأوا المسجد الحرام وامتلأت جنباته وساحاته وكذا المسجد النبوي الشريف وجميع الجوامع والمساجد بالمصلين الركع السجود . وكذلك نرى شوارعنا وأسواقنا ومنتدياتنا عامرة بروادها كما كانت قبل هذا الوباء وفي أفضل حال وأسعد بال. وأن يحفظ ربنا علينا أمننا وولايتنا واستقرارنا ويمتعنا وذرياتنا بذلك ومن سيتبعهم إلى أن يرث الله الأرض وما عليها .

آخر تعليق

لا يوجد تعليقات

arrow up